الخميس، 27 سبتمبر 2012

أغذية للموت.. بقرارات حكومية!!


أغذية للموت.. بقرارات حكومية!!

مصر تحولت لسوق مفتوحة لنفايات العالم الغذائية

الغذاء الفاسد يستهلك 19٪ من موازنة الدولة
وينشر السرطان والفشل الكلوى والكبدى بين المصريين
الخبراء: المستوردون وغياب الضمير وراء الظاهرة!




أغذية فاسدة وسلع مهربة تغزو مصر، وتجار ومستوردون أكثر فساداً وضمائر تقتات بالحرام.. حولت مصر لسوق مفتوحة لنفايات ومخلفات العالم تحت مسمى غذاء آمن ولكنه غير صالح للاستهلاك الآدمى.. ميزته الوحيدة أنه رخيص السعر للمستهلكين، ولكنه يحقق أرباحاً طائلة لمستورديه علي حساب صحة المصريين.. فالقمح مسرطن والدجاج والبط كله هرمونات، والخضراوات والفاكهة ملوثة بالمبيدات والتقاوي فاسدة والأسماك تعيش في مياه يغمرها الصرف الصحي ومخلفات المصانع، واللحوم ومصنعاتها مهرمنة أو مسرطنة حتي الفول أصبح مخلوطاً بالسوس ومخلفات الحشرات.. وصولاً للياميش الذي لم يخل من الغش.. ووصل الفساد لأغذية المرضى بالمستشفيات والوجبات المدرسية لا فرق في ذلك بين الغذاء محلى أم مستورد، فشعار منتجي وتجار ومستوردى الغذاء في مصر كما يري الخبراء والمختصون ويؤكده الواقع. اشتر واستورد الأرخص والأقل جودة تتحقق الأرباح الخيالية ولو على حساب المرضى قبل الأصحاء من المصريين، يساعدهم علي ذلك بعض القرارات التي فتحت الأبواب أمام النفايات لدخول أسواقنا وجعلت بعض المستوردين يتسابقون لشراء الأرخص من حيث السعر والجودة.. وبدلاً من السعي لمنع كارثة وظاهرة السلع الفاسدة نجد قراراً لوزير الصناعة والتجارة الخارجية يلغي فترة الصلاحية في استيراد الأغذية وذلك بإلغاء المادة الثالثة من القرار الوزاري رقم 285 لسنة 2006 والذي بمقتضاه يسمح بدخول المنتجات قبل فترة انتهاء صلاحيتها بـ 24 ساعة فقط.. وهو ما جعل الدكتور محمود عبدالوهاب طبيب بيطرى أول بالسويس يطالب بمحاكمة فورية للسيد وزير الصناعة لأنه سمح بدخول آلاف الأطنان من السلع منتهية الصلاحية.

غزو متعمد
غزو السلع المهربة بجميع أنواعها وأشكالها الغذائية وغيرها.. يرجعها البعض إلى تضارب القرارات من وزارة إلى أخرى، حيث تصاعدت تلك الأزمة بعد أن قامت الحكومة فيما مضى بتعديل القرار 619 والخاص بشهادة المنشأ وتسببت تلك التعديلات وقتها في زيادة التهريب وانتشار السلع مجهولة المصدر بالأسواق مما دفع بعض أصحاب مصانع القطاع الخاص لإغلاق مصانعهم احتجاجاً على هذا الغزو!
وكان القرار 619 بشأن شهادة المنشأ قراراً وطنياً وقومياً يحسب للدكتور أحمد جويلى وزير التموين وقتها، ويؤكد على بعد نظره وحنكته الاقتصادية حيث استهدف من ورائه، حماية الصناعة الوطنية وتقليل الطلب على الدولار وترشيد الاستهلاك والحد من ظاهرة تهريب السلع بدءاً من الأغذية وحتى الأقمشة والمنسوجات، ومن ثم ضمان سلامة وصحة كل ما يقدم للمصريين من سلع بجميع أشكالها واستخداماتها، ومن ثم عودة 3.5 مليار دولار كانت تضع على خزانة الدولة وقتها بسبب عمليات التهريب، كما يحسب للجويلى وبعد تفشى ظاهرة الأغذية الفاسدة، خاصة بالنسبة للحوم قيامه بنشر قائمة سوداء لمستوردى اللحوم الفاسدة ويري البعض أنها كانت السبب في خروجه من الوزارة لمنزله وبلا عودة!
وقد تعدت المتاجرة بالغذاء الفاسد حدود التجار والمستوردين إلى الحكومة نفسها، فقد كشف مؤخراً الدكتور سامي طه نقيب البيطريين أن عمليات الاستيراد التي تقوم بها وزارة الزراعة غير رشيدة وقد تؤدي إلي إهدار صحة المواطن لعدم سلامة وصحة اللحوم والحيوانات المستوردة، مستشهداً في ذلك بقيام الوزارة عام 1977 باستيراد حيوانات مصابة بسلالة جديدة من الأوبئة من عدة دول أفريقية، أدت إلي إصابة 18 ألفاً ووفاة 598 شخصاً، مؤكداً أن عام 2005 شهد أيضاً استيراد حيوانات مصابة بسلالات جديدة من الحمي القلاعية، فضلاً عن استيراد لحوم مصابة بفيروسات الساركوسست.

واقع.. مؤلم
بعد 25 يناير تخيلنا أنه سيتم اتخاذ خطوات جادة للقضاء على فساد الذمم والضمائر، وأن البداية ستكون بتوفير غذاء آدمى آمن، ولكننا فوجئنا بخراب أكثر للذمم وفساد للضمائر.. وتوالت شحنات الموت على البلاد وتشهد بها موانئ المحروسة ومحاضر الجهات الرقابية اليقظة نذكر منها علي سبيل المثال وليس الحصر، قيام شرطة مباحث الجمرك بميناء الإسكندرية بضبط كميات كبيرة من المواد الغذائية المستوردة غير الصالحة للاستهلاك الآدمي لصالح شركتي استيراد وكذلك ضبط 5000 كرتونة أغذية فاسدة تركية بميناء الدخيلة لصالح شركة، وهناك أيضاً محاولة لبعض شركات الاستيراد والتصدير إغراق البلاد بذرة الفشار الفاسدة والمحتوية علي سموم الألفانوكسين السامة والمسببة للسرطان ومستوردة من الأرجنتين وكذلك ضبط 3 آلاف طن قمح روسي فاسد غير صالح للاستهلاك الآدمي بمخازن إحدى الشركات بالإسكندرية وتحتوي على شوائب وحشرات حية.. وهكذا طوفان من الأغذية الفاسدة، انهمر علي مصر يتساوى في ذلك المستورد والمحلي، الذي غمر كل الأسواق وكبرى محلات البقالة والسوبر ماركت، وأيضاً الفنادق الشهيرة التي تتغاضى عن إجراءات سلامة الغذاء من خلال تعاملهم مع موردين للأغذية غير صالحة للاستهلاك الآدمي وتصيب المصريين بأبشع الأقراص والسموم وتزداد حالات التسمم الغذائي.

مشاكل وراثية
تتفاقم مشكلة تلوث الأغذية التي تكمن خطورتها الكبري كما يقول الدكتور محمود عمر مؤسس ومدير المركز القومي للسموم، في وجود بعض السموم الكيماوية التي تؤدي إلي التغير الجيني وتشويه الأجيال القادمة وحدوث مشكلات وراثية نتيجة لفساد وتلوث الأغذية مستشهداً علي ذلك بمادة الدايوكسين المتواجدة بالأغذية الفاسدة، مؤكداً أن -واحد علي مليون- من الجرام من هذه المادة كاف للإصابة بسرطان الكبد علي الفور، واكتشاف هذه المادة يحتاج إلى تحليل دقيق وهو مكلف جداً، كما أننا نعاني من نقص المعامل الحكومية المتخصصة ولا نملك سوي معملين فقط أجدهما في وزارة الزراعة والأخري في وزارة الصحة.. ولذلك - والكلام للدكتور محمود عمرو - هناك ضرورة لإحكام الرقابة علي الأسواق وعلي المستوردين علي وجه الخصوص، فهؤلاء مسئولون مليون في المائة عن غزو السلع الغذائية الفاسدة للسوق المصري فهم من يشترون هذه السلع الرديئة بأرخص الأسعار، وأردأها، فالسوق في الخارج مفتوح وتباع فيه السلع بمختلف مستويات الجودة.. فلماذا إذن لا يشترون الأرخص والأردأ لتحقيق الأرباح الخيالية ولو علي حساب صحة الناس؟
لذلك فمسئولية انتشار تلك الأغذية تقع في المقام الأول علي المستورد ثم الدولة التي تساعد على انعدام رقابتها بل بمشاركتها أحياناً المستورد علي إحضار مخلفات الدول المتقدمة وحتي المتخلفة من الأغذية ليتناولها بنو وطنه، وآخرها الحيوانات المهرمنة المحجوزة في السويس، والذي سيفرج عنها حتماً!

فاتورة اقتصادية
والغذاء الفاسد وفقاً للإحصائيات يكلف خزانة الدولة ويحمل موازنتها أعباء تزيد من عجزها، والذي تعدي الـ 135 مليار جنيه، فهو يمثل 19٪ من الموازنة العامة للدولة كمصروفات لعلاج الأمراض الناجمة من تناول تلك الأغذية الفاسدة، خاصة أن 80٪ من الأغذية المتداولة بالأسواق مجهولة المصدر، وفقاً لتصريحات الدكتور حسن منصور رئيس وحدة سلامة الغذاء، مما يستلزم - وفقاً لكلامه - أن يخضع تداول الأغذية لبعض المعايير الدولية، خاصة أن مصر تقيم كأسوأ الدول في هذا المجال.
جانب آخر من واقع أليم لسوق الغذاء الفاسد في مصر أكدته الإدارة العامة لمراقبة الأغذية بوزارة الصحة، التي حذرت من انتشار السلع والمواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بالأسواق والمحال والمنشآت السياحية ومن قبلها أيضاً لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشعب السابق، التي حذرت من خطورة الأوضاع التي تهدد المواطن المصري والأجيال القادمة من السلع مجهولة المصدر، التي وصلت إلي المرضي بالمستشفيات من خلال مناقصات لا تخضع للرقابة أو ضعف للرقابة علي منافذ دخول أو تهريب تلك السلع، مما يستلزم إنشاء هيئة لسلامة الغذاء، لكن بدلاً من السعي لإنشائها وجدنا المهندس أبوزيد محمد أبوزيد وزير التموين يرجع تزايد وانتشار الأغذية الفاسدة لكيد المستوردين لبعضهم البعض، مؤكداً أنه لا يتم الإفراج عن أي سلعة غذائية من الجمارك إلا بموافقة كل من الرقابة علي الواردات والصادرات ووزارة الصحة وفقاً للقانون 10 لسنة 1966، وهو ما لم يفلح في وقف تدفق هذه الأغذية الفاسدة لأسواقنا.

أزمة ضمير
سعاد الديب - نائب رئيس الاتحاد العربي للمستهلك ورئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك - ترفض إلقاء المسئولية علي الدول الموردة لتلك الأغذية، وتري أن المستوردين هم من حولوا مصر لسوق مفتوحة لنفايات العالم وللسلع الرديئة من الدرجة العاشرة، مشيرة إلي أن بعض المستوردين منعدمو الضمائر يرغبون في تحقيق الأرباح الطائلة علي حساب صحة بني وطنهم، يضاف إلى ذلك ضعف الرقابة من مسئولي الجانب الحمائي كالرقابة علي الواردات والمنافذ الجمركية والحجر البيطري والموانئ والمعامل المركزية في كل من وزارتي الزراعة والصحة، وهو ما أدي إلي انتشار غير مسبوق للأغذية الفاسدة والمهربة نشاهده اليوم وبكافة أشكاله.
وتوضح د. سعاد أنه لا يمكن أن نلوم المستهلك والأجهزة المنوط بها حمايته، فجمعيات ومجالس حماية المستهلك لا تمتلك حق الضبطية، ودورها يقتصر فقط علي مجرد توعية المستهلكين بحقوقهم وواجباتهم والتأكد من صلاحية الغذاء من عدمه، ومن ثم فقانون حماية المستهلك مطلوب تعديله.
وتضيف د. سعاد: نحن نمتلك ترسانة من القوانين تحتاج لتعديلات تجعل العدالة سريعة ناجزة، لأن بطئنها يشجع علي الفساد.
أما الدكتورة فوزية عبدالستار - رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب الأسبق - فتؤكد عدم حاجتنا لتشريعات وقوانين جديدة، مشيرة إلي أن ظاهرة الأغذية الفاسدة ترجع لغياب الضمير وسط إجراءات التقاضي، وقد يكون السبب أيضاً ضعف العقوبة الموقعة علي مستوردي هذه الأغذية التي لا ترتقي لحجم الجرم الناجم من تداول أغذية الموت مما يستلزم وتشريد العقوبة!!

مشروع قانون
اللواء أحمد موافى مدير مباحث التموين بوزارة الداخلية، أن الوزارة تقدمت بمشروع قانون لمجلس الشعب المنحل يتضمن ضرورة تشديد العقوبة في قضايا الغش التجاري لمنع انتشار الأغذية مجهولة المصدر، وتصل العقوبة المقدرة إلى الحبس لمدة لا تقل على الـ 10 سنوات أو المؤبد وفقاً لدرجة خطورة الجريمة.
ويرى اللواء موافى أن القانون غير رادع وليس له أي لزوم، خاصة أن العقوبة الحالية لا تتعد الـ 3 شهور والعام الواحد أو الغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين لكل قضايا الغش التجاري بجميع أشكاله سواء كان سلعة غذائية أو قطع غيار سيارات أو أدوية أو مصنوعات وغيرها! كالصواريخ ولعب الأطفال.

الوفد - رصد وتحقيق: إيمان الجندى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق