120 حالة تسمم تفتح ملف التلوث الغذائي
تعد قضية تلوث الغذاء في مصر من أهم القضايا الملحة ، ولاسيما أن حجم الإستثمار في الصناعات الغذائية يتجاوز الـ 200 مليار جنيه سنوياً ، كما أن عملية الرقابة على تصنيع الأغذية موزعة على وزارات عديدة منها الزراعة والتجارة والصحة والداخلية ، مما يعني تشتت العملية الرقابية عليها ، نتيجة عدم مسئولية جه واحدة عن الرقابة عليها .
وبالرغم من ذلك تكثر الأمراض الناتجة عن التلوث الغذائي في مصر ، مثل أمراض الصيف والعدوى بفيرس التهاب الكبد الوبائي ، وزيادة حالات الإصابة بالأورام السرطانية ، والفشل الكلوي والكبدي ، وفي الوقت الذي توجد فيه تشريعات كثيرة في القانون المصري لضمان حماية سلامة وجودة الغذاء ، إلا أن معدلات تلوث الغذاء تظل مرتفعة سواء المستورد أو المنتج في الداخل من زراعة وثروة حيوانية وسمكية .
وشهدت شهر يونيو الجاري إرتفاعاً كبيراً في عدد حالات الإصابة بالتسمم ، وكانت حالات التسمم مابين تسمم من مياه غير صالحة للشرب ، وبين تناول أغذية ووجبات وفاكهة تصيب بحالات التسمم في الحال .
حيث شهد اليوم الأول من شهر يونيو الماضى إصابة 4 مجندين بأسيوط بحالات تسمم نتيجة تناولهم مياه شرب غير صالحة ، وفي اليوم التالي توفى صياد ، وأصيب 6 أشخاص بتسمم غذائي عقب تناولهم وجبة سمك بالبحر الأحمر ، وفي يوم 4 من نفس الشهر أصيب 3 أطفال بالتسمم نتيجة لتعرضهم لمبيد حشري بالفيوم ، وفي يوم 9 تسمم 7 أشخاص بوجبة كشري بطنطا ، وتباينت الآراء حول إصابة 52 حالة بتسمم في الجيزة ، رجح الأهالي أنها بسبب البطيخ ، وأصيب 4 أطفال بالتسمم في المنوفية نتيجة أكلة "ملوخية" يوم 11 ، وتعرضت يوم 15 ربة منزل للتسمم بأقراص سوس الغلة ، وفي يوم 18 تسببت وجبة أرز في إصابة 5 في منفلوط بأسيوط ، وفي طنطا أصيب 9 بالتسمم بعد وجبة منزلية يوم 19 ، وفي نفس اليوم تعرض 9 آخرون للتسمم في الجيزة بالبطيخ ، وفي يوم 20 أصيب 5 أشخاص في سوهاج بالتسمم بعد أكلة فسيخ ، وفي يوم 21 تعرض 5 في ألمنيا للتسمم بالبطيخ ، و 7 بسوهاج باللبن الرايب .
في البداية ، حذر خبراء التغذية والزراعة ـ خلال مؤتمر علمي نظمته الجمعية المصرية للسموم بجامعة بني سويف ، تحت عنوان "نحو غذاء آمن في مصر" .. من أن الحيوانات التي يتم ذبحها في مجازر تنقصها الإشتراطات الصحية الأولية ؛ حيث يوجد في مصر نحو427 مجزراً منها 9 مجازر آلية وبقية المجازر تعتبر بؤراً للتلوث ، ويفتقر معظمها للصرف الصحي ، وغالباً ما تذبح الحيوانات على الأرض الملوثة بالروث مما يؤدي إلي تلوث اللحوم ، يأتي ذلك في الوقت الذي أثبتت فيه الأبحاث العلمية أن متوسط عدد الميكروبات بعد السلخ يصل إلى 216 ميكروباً في كل سنتيمتر من سطح الذبيحة ، كما يتم ذبح 30% من الحيوانات خارج المجازر ليهرب أصحابها من الكشف الطبي والرقابة الصحية .
أما عن منتجات اللحوم ، تثبت الدراسات التي أجريت على بعض العينات أن عدد الميكروبات في الجرام الواحد 7 ملايين في "البيف برجر" ، و 50 مليوناً في "الكفتة" ، ومليون في "اللانشون" .
وأثبتت نتائج فحص "الهامبورجر" عزل ميكروبات "الأشيريشيا كولاي" بنسبة 30% من العينات ، و "السالمونيلا" 5% ، و "الميكروب العنقودي الذهبي" 20% ، وقد أوصى المشاركون في ختام المؤتمر بإنشاء معامل مركزية تتابع رصد وتحليل جميع مكونات الغذاء المحلي منها أو المستورد وتشديد العقوبة علي من تثبت عليه تهمة تلوث الغذاء في كل مراحل إنتاجه أو توزيعه أو تقديمه .
وفي نفس السياق ، كشف أحد التقارير الحكومية الصادر عن المجالس القومية المتخصصة "شعبة الخدمات الصحية والسكان" والذي جاء تحت عنوان "سلامة الغذاء وجودته" عن خطورة العديد من المركبات الكيميائية التي تنتشر في البيئة المصرية مثل مركبات "الدايوكسينات" التي تحتوى على درجة عالية من السمية التي تسبب الإصابة بالأورام السرطانية وخاصةً سرطان الثدي عند النساء ، وتشوهات الأجنة .
ولفت التقرير إلى أن إنتشار مركبات "الدايوكسين" يعود إلى الإنبعاثات الناتجة عن أدخنة المحارق الخاصة بمخلفات المدن والمستشفيات ومصانع الورق والبلاستيك وصهر المعادن .
وكشف التقرير الحكومي عن زيادة إستخدام الهرمونات في مزارع الدواجن والماشية سواء كانت طبيعية أو مصنعة لزيادة أوزان الحيوانات والطيور التي يؤدي ترسب متبقياتها في اللحوم والألبان إلى إصابة الإنسان بالأورام السرطانية .
وشدد التقرير على خطورة المبيدات المستخدمة في مجالات الزراعة والصحة العامة للقضاء على الآفات الزراعية ، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في متبقيات المبيدات على التربة والسلع الغذائية ، مشيراً إلى تأثير هذه المركبات الكيماوية على الجهاز العصبي والكبد والتنفس بما يؤدي في النهاية إلى الوفاة .
ورصد التقرير إنتشار المواد الملوثة للغذاء والتي تصيب الإنسان بالأورام السرطانية وتشوهات الأجنة والأمراض التناسلية في العديد من المنتجات ومصادر التلوث المحيطة بالمواطن المصري ، مرجعاً مخاطر الغش في الغذاء إلي الأخطار "الميكروبيولوجية والكيمياوية" المتسببة بشكل مباشر في الإصابة بالأمراض المزمنة كالتيفود وأمراض الكبد والفشل الكلوي والتسمم الغذائي .
التخزين الخاطئ
أرجع التقرير زيادة تلوث الغذاء إلى عدة عوامل أهمها : (الإعتماد على الوجبات السريعة
الجاهزة التي يتم بيعها في المحلات دونما ادنى رقابة عليها ، وإتباع الطرق الخاطئة للتخزين والتنظيف وطهو الطعام ، وإنخفاض مستوى النظافة والمهارة التدريبية للعاملين في مجال التغذية ، وعدم إهتمام وسائل الإعلام بنشر أهمية الغذاء الجيد ، إضافةً إلى عدم كفاية التشريعات المختصة بضمان سلامة الغذاء ، كما أن أغذية الشارع تمثل مشكلة كبيرة من التلوث وعدم مأمونية هذه الأغذية .
وأوضح التقرير أن تلوث الغذاء في مصر أصبح من العوامل المؤثرة بالسلب على قطاع السياحة بشكل كبير ، لافتاً إلى إمتناع الكثير من السائحين عن تناول الطعام والشراب في بعض الأماكن طبقاً للتوصيات الواردة إليهم من بلادهم ، بسبب إصابة بعض الأفواج السياحية بالتسمم الغذائي أو بأمراض منقولة عن طريق الطعام .
وأكد التقرير أن النظم الحالية للرقابة علي الأغذية في حاجة ماسة لإدخال عدد من التحسينات عليها لتحقيق أقصى قدر من الحماية للمستهلك ، مطالباً بدمج الرقابة على المنتجات بداية من إنتاجها حتى الإستهلاك من خلال منهج شامل ومتكامل يمتد من الزراعة إلي المائدة ، منتقداً النظام التقليدي في الرقابة المتمثل في فحص المنتج النهائي ، وهو مايعتبر مكلفاً إلى حد كبير عند إكتشاف تلوث المنتج وضرورة التخلص منه .
ثقافة النظافة
في البداية ، يقول أحمد عبدالحميد مدرس بسوهاج : إعتدنا أن نشتري أطعمتنا من الشوارع لأن ذلك هو المتيسر ، في حين أن المحال الكبيرة تطرح منتجاتها الغذائية للبيع مغلفة وداخل "فتارين" زجاجية تضع هامش ربح مرتفعاً لاطاقة لنا به .
فيما تقول هبه سعد ـ ربة منزل ، نحن نحاول علىقدر الإمكان أن نتجنب التلوث من خلال بعض الإحتياطات في المنازل بإستخدام فلاتر المياه المتوافرة بالأسواق أو طهو الأطعمة بشكل جيد للقضاء على الجراثيم ، ولكن أحسست بأن كل هذا لايكفي وأصابني الهلع والخوف عندما شاهدت تقارير في برامج فضائية تتناول قضية الفساد الغذائي والأمراض التي تنجم عنها .,
ويقول علي عبد العزيز ـ موظف بأسيوط ـ سلوكيات كثيرة تعلمناها في الماضي في صورة شعارات مثل ( النظافة من الإيمان ، اغسل يديك قبل الأكل وبعده ) التي كنا نجدها في ظهر الكشكول والكتاب المدرسي ، ولكن الآن لم يعد هناك وعي بهذه المبادئ لافي المدارس ولا حتى في أجهزة الإعلام ، لأنه في رأيي بداية المواجهة لقضية الفساد الغذائي وتلوث الأطعمة يجب أن تكون بغرس ثقافة النظافة عند الأطفال حتى يكبروا فيتطبعون عليها تلقائياً .
الأغذية المكشوفة
أكد د.صبري جمعة ـ أخصائي الباطنة ـ أن الأطعمة المكشوفة التي تنتشر في الشوارع لتعرضها لعنصر الرصاص الموجود في الهواء والناتج عن عوادم السيارات ، بالإضافة إلى الذباب والحشرات الطائرة التي تحط عليها وتضع بويضاتها وبما يمثل مصدراً أساسياً للتلوث في الوقت الذي لايخضع فيه الباعة الجائلون للرقابة الصحية ، كما أنه لاتجري عليهم كشوفات طبية ، وقالت إن الباعة الجائلين يستخدمون أيديهم الملوثة والناقلة للعدوى .
وأضاف أن بعض الأغذية ملوثة بميكروب "السالمونيلا" الذي يسبب الإسهال والقيئ ، وينشط هذا الميكروب في فصل الصيف ، ومن هذه الأغذية ( سندوتشات الكبدة واللحوم بجميع أنواعها التي تباع في الشارع ) ، مشيراً إلى أن هناك لحوماً يتم طرحها للبيع دون الكشف الطبي عليها تكون مريضة بالحمى المتفحمة تصيب النساء بالإجهاض ، وتتسبب في إنتشار أمراض الحمى بجميع أنواعها ، ومن هنا تجدر أهمية توعية المواطنين بتناول الأطعمة المنزلية أو من محال مرخصة تتوافر فيها الإشتراطات الصحية والإبتعاد تماماً عن أطعمة الشوارع .
وقال إن أحدث الدراسات العلمية حول التلوث الغذائي حددت أنواعاً للتلوث ومسبباته ن والتي منها "التلوث البكتيري" ، ويعتبر هذا النوع من التلوث من أقدم أنواع التلوث التي عرفها الإنسان وأكثرها إنتشاراً ، وقد تقوم البكتيريا بإفراز سموم بالطعام تنتج عنها أعراض مرضية مثل ( الإسهال ، القيء ، آلام البطن ) ، وهذه الأعراض قد تكون خطيرة تؤدي إلي الوفاة مثل "التسمم البوتيوليني" الذي تسببه المعلبات والأسماك المملحة الفاسدة .
فيما كشف أحد التقارير الحكومية الصادر عن المجالس القومية المتخصصة شعبة الخدمات الصحية والسكان ، والذي جاء تحت عنوان "سلامة الغذاء" أن تكاثر البكتيريا وزيادة معدل إنتاجها للسموم بالغذاء قد يكون قبل أو بعد تناول الغذاء ، وعادةً مايكون تأثير الطعام الملوث أسرع وأشد إذا ماكان الطعام ملوثاً قبل إعداده للإستهلاك .
أما الأغذية الأكثر عرضة للتلوث بالبكتيريا الضارة فهي : (اللحوم ومنتجاتها ، والدواحن ، والأسماك ، والألبان ومنتجاتها ، وكذلك الأغذية المصنعة والمطهوة ، والمعلبات الفاسدة ، والوجبات السريعة التي تباع بالشارع مثل: الكشري والباذنجان المقلي والطعمية)وما إلى ذلك .
وكشف التقرير عن مجموعة من السياسات والإجراءات التي يجري إتخاذها للتصدي للأغذية مجهولة لمصدر والضارة بالصحة العامة للمواطنين ، في مقدمتها تشديد الرقابة على المصانع من خلال البدء في إعداد اللائحة التنفيذية للقانون الجديد لسلامة الغذاء والتي تضمن قواعد صارمة لمراقبة تداول الأغذية ، موصياً بضرورة أن تتضمن الإجراءات منع التضارب في الإختصاصات بين الوزارات المعنية بالرقابة على الأغذية ، مشيراً إلي أن هناك تضارباً واضحاً في الإختصاصات بين وزارات الصحة والزراعة والصناعة في الرقابة على الأغذية ، وذلك بسبب كثرة التشريعات المنظمة لهذا الملف ، وأن كل جهة تتعامل بمعايير تختلف عن الأخرى ، سواء فيما يخص التحاليل المعملية التي لاتوجد طريقة قياسية تحكمها مما يؤدي إلى إختلاف النتائج بإختلاف معمل كل وزارة وهو مايضع سلامة الغذاء في خطر .
وأكد التقرير أن كثرة التشريعات الحالية الخاصة بسلامة الغذاء لم تحد من فساد الغذاء ، وأن المشكلة تكمن في وجود هذه التشريعات أصلاً فهي قديمة لاتتناسب مع الوقت الحالي ، كما أنها تفتقد للتعريف الصحيح لغش الغذاء فتحدده بأنه إنتقاص لجزء منه ، مشيراً إلي أن الحل في تفعيل دور جهة رقابية واحدة تكون مسئولة عن سلامة الغذاء في كل مراحل إنتاجه وتداوله مع تحديد المفاهيم المختلفة لسلامة وفساد الغذاء بما يتناسب مع الواقع الحالي ومتغيراته ، وتبين من خلال المناقشات أن الغذاء في مصر ليس أمناً بنسبة 100% ، ولعل السبب الرئيسي وراء ذلك يعود لتلوث مياه النيل وحتى يمكننا الحصول على غذاء أمن لابد من التأكد من أن عملية ري الزراعات تتم بمياه نقية ، مشيراً إلي أن نهر النيل يتعرض للتلوث عند صرف مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي غير المعالجة فيه ، وهي تمثل 25% من نسبة المياه المتاحة للري في مصر بمعنى أن المتاح من مياه النيل يوازي 55 مليار متر مكعب مياه نظيفة نحن نخلطها بـ 15 مليار متر مكعب مياه صرف ملوثة وغيرمعالجة ، وبالتالي يمكن القول بأننا حولنا الـ 70 مليار متر مكعب المتاحة للري والشرب في مصر إلى مياه ملوثة ، ومن هنا تبدأ الكارثة فالنهر يتعرض للتلوث من أسوان حتى المصب في البحر المتوسط ، ولذلك يجب تطبيق قوانين البيئة على المصانع التي يجب أن توفق أوضاعها وتقوم بمعالجة مياه الصرف الخاصة بها بدلاً من صرفها في النيل ، بالإضافة إلى أن شبكة المياه في مصر والتي تقوم بنقل مياه الشرب من محطات التحلية إلى المنازل تشكل في حد ذاتها كارثة فهي شبكة قديمة متهالكة وفي حاجة لعملية إحلال وتجديد في فترة زمنية لاتتعدى 3 سنوات على مستوي الجمهورية ، وإلا علينا أن ننتظر الكارثة البيئية التي ليس لها حل وساعتها يشرب المواطن المياه ويتناول طعامه ولكن عليه أولاً أن يتلو الشهادتين .
وانتهي المؤتمر إلى التأكيد على المشكلة الحقيقية في أسباب تلوث الغذاء في مصر هي "السلبية" فنحن نعرض الأحذية للبيع داخل فتارين زجاحية حماية لها من الأتربة ، وفي الوقت ذاته نعرض اللحوم والخبز وجميع أنواع السلع الغذائية للبيع علي طاولات عارية في الشارع للأتربة وعوادم السيارات وجميع مصادر التلوث الغذائي ، لذا لابد من تحسين سلوكيات البشر لتجنب جانب مهم وخطير من جوانب أسباب تلوث الغذاء في مصر .
وبالرغم من ذلك تكثر الأمراض الناتجة عن التلوث الغذائي في مصر ، مثل أمراض الصيف والعدوى بفيرس التهاب الكبد الوبائي ، وزيادة حالات الإصابة بالأورام السرطانية ، والفشل الكلوي والكبدي ، وفي الوقت الذي توجد فيه تشريعات كثيرة في القانون المصري لضمان حماية سلامة وجودة الغذاء ، إلا أن معدلات تلوث الغذاء تظل مرتفعة سواء المستورد أو المنتج في الداخل من زراعة وثروة حيوانية وسمكية .
وشهدت شهر يونيو الجاري إرتفاعاً كبيراً في عدد حالات الإصابة بالتسمم ، وكانت حالات التسمم مابين تسمم من مياه غير صالحة للشرب ، وبين تناول أغذية ووجبات وفاكهة تصيب بحالات التسمم في الحال .
حيث شهد اليوم الأول من شهر يونيو الماضى إصابة 4 مجندين بأسيوط بحالات تسمم نتيجة تناولهم مياه شرب غير صالحة ، وفي اليوم التالي توفى صياد ، وأصيب 6 أشخاص بتسمم غذائي عقب تناولهم وجبة سمك بالبحر الأحمر ، وفي يوم 4 من نفس الشهر أصيب 3 أطفال بالتسمم نتيجة لتعرضهم لمبيد حشري بالفيوم ، وفي يوم 9 تسمم 7 أشخاص بوجبة كشري بطنطا ، وتباينت الآراء حول إصابة 52 حالة بتسمم في الجيزة ، رجح الأهالي أنها بسبب البطيخ ، وأصيب 4 أطفال بالتسمم في المنوفية نتيجة أكلة "ملوخية" يوم 11 ، وتعرضت يوم 15 ربة منزل للتسمم بأقراص سوس الغلة ، وفي يوم 18 تسببت وجبة أرز في إصابة 5 في منفلوط بأسيوط ، وفي طنطا أصيب 9 بالتسمم بعد وجبة منزلية يوم 19 ، وفي نفس اليوم تعرض 9 آخرون للتسمم في الجيزة بالبطيخ ، وفي يوم 20 أصيب 5 أشخاص في سوهاج بالتسمم بعد أكلة فسيخ ، وفي يوم 21 تعرض 5 في ألمنيا للتسمم بالبطيخ ، و 7 بسوهاج باللبن الرايب .
في البداية ، حذر خبراء التغذية والزراعة ـ خلال مؤتمر علمي نظمته الجمعية المصرية للسموم بجامعة بني سويف ، تحت عنوان "نحو غذاء آمن في مصر" .. من أن الحيوانات التي يتم ذبحها في مجازر تنقصها الإشتراطات الصحية الأولية ؛ حيث يوجد في مصر نحو427 مجزراً منها 9 مجازر آلية وبقية المجازر تعتبر بؤراً للتلوث ، ويفتقر معظمها للصرف الصحي ، وغالباً ما تذبح الحيوانات على الأرض الملوثة بالروث مما يؤدي إلي تلوث اللحوم ، يأتي ذلك في الوقت الذي أثبتت فيه الأبحاث العلمية أن متوسط عدد الميكروبات بعد السلخ يصل إلى 216 ميكروباً في كل سنتيمتر من سطح الذبيحة ، كما يتم ذبح 30% من الحيوانات خارج المجازر ليهرب أصحابها من الكشف الطبي والرقابة الصحية .
أما عن منتجات اللحوم ، تثبت الدراسات التي أجريت على بعض العينات أن عدد الميكروبات في الجرام الواحد 7 ملايين في "البيف برجر" ، و 50 مليوناً في "الكفتة" ، ومليون في "اللانشون" .
وأثبتت نتائج فحص "الهامبورجر" عزل ميكروبات "الأشيريشيا كولاي" بنسبة 30% من العينات ، و "السالمونيلا" 5% ، و "الميكروب العنقودي الذهبي" 20% ، وقد أوصى المشاركون في ختام المؤتمر بإنشاء معامل مركزية تتابع رصد وتحليل جميع مكونات الغذاء المحلي منها أو المستورد وتشديد العقوبة علي من تثبت عليه تهمة تلوث الغذاء في كل مراحل إنتاجه أو توزيعه أو تقديمه .
وفي نفس السياق ، كشف أحد التقارير الحكومية الصادر عن المجالس القومية المتخصصة "شعبة الخدمات الصحية والسكان" والذي جاء تحت عنوان "سلامة الغذاء وجودته" عن خطورة العديد من المركبات الكيميائية التي تنتشر في البيئة المصرية مثل مركبات "الدايوكسينات" التي تحتوى على درجة عالية من السمية التي تسبب الإصابة بالأورام السرطانية وخاصةً سرطان الثدي عند النساء ، وتشوهات الأجنة .
ولفت التقرير إلى أن إنتشار مركبات "الدايوكسين" يعود إلى الإنبعاثات الناتجة عن أدخنة المحارق الخاصة بمخلفات المدن والمستشفيات ومصانع الورق والبلاستيك وصهر المعادن .
وكشف التقرير الحكومي عن زيادة إستخدام الهرمونات في مزارع الدواجن والماشية سواء كانت طبيعية أو مصنعة لزيادة أوزان الحيوانات والطيور التي يؤدي ترسب متبقياتها في اللحوم والألبان إلى إصابة الإنسان بالأورام السرطانية .
وشدد التقرير على خطورة المبيدات المستخدمة في مجالات الزراعة والصحة العامة للقضاء على الآفات الزراعية ، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في متبقيات المبيدات على التربة والسلع الغذائية ، مشيراً إلى تأثير هذه المركبات الكيماوية على الجهاز العصبي والكبد والتنفس بما يؤدي في النهاية إلى الوفاة .
ورصد التقرير إنتشار المواد الملوثة للغذاء والتي تصيب الإنسان بالأورام السرطانية وتشوهات الأجنة والأمراض التناسلية في العديد من المنتجات ومصادر التلوث المحيطة بالمواطن المصري ، مرجعاً مخاطر الغش في الغذاء إلي الأخطار "الميكروبيولوجية والكيمياوية" المتسببة بشكل مباشر في الإصابة بالأمراض المزمنة كالتيفود وأمراض الكبد والفشل الكلوي والتسمم الغذائي .
التخزين الخاطئ
أرجع التقرير زيادة تلوث الغذاء إلى عدة عوامل أهمها : (الإعتماد على الوجبات السريعة
الجاهزة التي يتم بيعها في المحلات دونما ادنى رقابة عليها ، وإتباع الطرق الخاطئة للتخزين والتنظيف وطهو الطعام ، وإنخفاض مستوى النظافة والمهارة التدريبية للعاملين في مجال التغذية ، وعدم إهتمام وسائل الإعلام بنشر أهمية الغذاء الجيد ، إضافةً إلى عدم كفاية التشريعات المختصة بضمان سلامة الغذاء ، كما أن أغذية الشارع تمثل مشكلة كبيرة من التلوث وعدم مأمونية هذه الأغذية .
وأوضح التقرير أن تلوث الغذاء في مصر أصبح من العوامل المؤثرة بالسلب على قطاع السياحة بشكل كبير ، لافتاً إلى إمتناع الكثير من السائحين عن تناول الطعام والشراب في بعض الأماكن طبقاً للتوصيات الواردة إليهم من بلادهم ، بسبب إصابة بعض الأفواج السياحية بالتسمم الغذائي أو بأمراض منقولة عن طريق الطعام .
وأكد التقرير أن النظم الحالية للرقابة علي الأغذية في حاجة ماسة لإدخال عدد من التحسينات عليها لتحقيق أقصى قدر من الحماية للمستهلك ، مطالباً بدمج الرقابة على المنتجات بداية من إنتاجها حتى الإستهلاك من خلال منهج شامل ومتكامل يمتد من الزراعة إلي المائدة ، منتقداً النظام التقليدي في الرقابة المتمثل في فحص المنتج النهائي ، وهو مايعتبر مكلفاً إلى حد كبير عند إكتشاف تلوث المنتج وضرورة التخلص منه .
ثقافة النظافة
في البداية ، يقول أحمد عبدالحميد مدرس بسوهاج : إعتدنا أن نشتري أطعمتنا من الشوارع لأن ذلك هو المتيسر ، في حين أن المحال الكبيرة تطرح منتجاتها الغذائية للبيع مغلفة وداخل "فتارين" زجاجية تضع هامش ربح مرتفعاً لاطاقة لنا به .
فيما تقول هبه سعد ـ ربة منزل ، نحن نحاول علىقدر الإمكان أن نتجنب التلوث من خلال بعض الإحتياطات في المنازل بإستخدام فلاتر المياه المتوافرة بالأسواق أو طهو الأطعمة بشكل جيد للقضاء على الجراثيم ، ولكن أحسست بأن كل هذا لايكفي وأصابني الهلع والخوف عندما شاهدت تقارير في برامج فضائية تتناول قضية الفساد الغذائي والأمراض التي تنجم عنها .,
ويقول علي عبد العزيز ـ موظف بأسيوط ـ سلوكيات كثيرة تعلمناها في الماضي في صورة شعارات مثل ( النظافة من الإيمان ، اغسل يديك قبل الأكل وبعده ) التي كنا نجدها في ظهر الكشكول والكتاب المدرسي ، ولكن الآن لم يعد هناك وعي بهذه المبادئ لافي المدارس ولا حتى في أجهزة الإعلام ، لأنه في رأيي بداية المواجهة لقضية الفساد الغذائي وتلوث الأطعمة يجب أن تكون بغرس ثقافة النظافة عند الأطفال حتى يكبروا فيتطبعون عليها تلقائياً .
الأغذية المكشوفة
أكد د.صبري جمعة ـ أخصائي الباطنة ـ أن الأطعمة المكشوفة التي تنتشر في الشوارع لتعرضها لعنصر الرصاص الموجود في الهواء والناتج عن عوادم السيارات ، بالإضافة إلى الذباب والحشرات الطائرة التي تحط عليها وتضع بويضاتها وبما يمثل مصدراً أساسياً للتلوث في الوقت الذي لايخضع فيه الباعة الجائلون للرقابة الصحية ، كما أنه لاتجري عليهم كشوفات طبية ، وقالت إن الباعة الجائلين يستخدمون أيديهم الملوثة والناقلة للعدوى .
وأضاف أن بعض الأغذية ملوثة بميكروب "السالمونيلا" الذي يسبب الإسهال والقيئ ، وينشط هذا الميكروب في فصل الصيف ، ومن هذه الأغذية ( سندوتشات الكبدة واللحوم بجميع أنواعها التي تباع في الشارع ) ، مشيراً إلى أن هناك لحوماً يتم طرحها للبيع دون الكشف الطبي عليها تكون مريضة بالحمى المتفحمة تصيب النساء بالإجهاض ، وتتسبب في إنتشار أمراض الحمى بجميع أنواعها ، ومن هنا تجدر أهمية توعية المواطنين بتناول الأطعمة المنزلية أو من محال مرخصة تتوافر فيها الإشتراطات الصحية والإبتعاد تماماً عن أطعمة الشوارع .
وقال إن أحدث الدراسات العلمية حول التلوث الغذائي حددت أنواعاً للتلوث ومسبباته ن والتي منها "التلوث البكتيري" ، ويعتبر هذا النوع من التلوث من أقدم أنواع التلوث التي عرفها الإنسان وأكثرها إنتشاراً ، وقد تقوم البكتيريا بإفراز سموم بالطعام تنتج عنها أعراض مرضية مثل ( الإسهال ، القيء ، آلام البطن ) ، وهذه الأعراض قد تكون خطيرة تؤدي إلي الوفاة مثل "التسمم البوتيوليني" الذي تسببه المعلبات والأسماك المملحة الفاسدة .
فيما كشف أحد التقارير الحكومية الصادر عن المجالس القومية المتخصصة شعبة الخدمات الصحية والسكان ، والذي جاء تحت عنوان "سلامة الغذاء" أن تكاثر البكتيريا وزيادة معدل إنتاجها للسموم بالغذاء قد يكون قبل أو بعد تناول الغذاء ، وعادةً مايكون تأثير الطعام الملوث أسرع وأشد إذا ماكان الطعام ملوثاً قبل إعداده للإستهلاك .
أما الأغذية الأكثر عرضة للتلوث بالبكتيريا الضارة فهي : (اللحوم ومنتجاتها ، والدواحن ، والأسماك ، والألبان ومنتجاتها ، وكذلك الأغذية المصنعة والمطهوة ، والمعلبات الفاسدة ، والوجبات السريعة التي تباع بالشارع مثل: الكشري والباذنجان المقلي والطعمية)وما إلى ذلك .
وكشف التقرير عن مجموعة من السياسات والإجراءات التي يجري إتخاذها للتصدي للأغذية مجهولة لمصدر والضارة بالصحة العامة للمواطنين ، في مقدمتها تشديد الرقابة على المصانع من خلال البدء في إعداد اللائحة التنفيذية للقانون الجديد لسلامة الغذاء والتي تضمن قواعد صارمة لمراقبة تداول الأغذية ، موصياً بضرورة أن تتضمن الإجراءات منع التضارب في الإختصاصات بين الوزارات المعنية بالرقابة على الأغذية ، مشيراً إلي أن هناك تضارباً واضحاً في الإختصاصات بين وزارات الصحة والزراعة والصناعة في الرقابة على الأغذية ، وذلك بسبب كثرة التشريعات المنظمة لهذا الملف ، وأن كل جهة تتعامل بمعايير تختلف عن الأخرى ، سواء فيما يخص التحاليل المعملية التي لاتوجد طريقة قياسية تحكمها مما يؤدي إلى إختلاف النتائج بإختلاف معمل كل وزارة وهو مايضع سلامة الغذاء في خطر .
وأكد التقرير أن كثرة التشريعات الحالية الخاصة بسلامة الغذاء لم تحد من فساد الغذاء ، وأن المشكلة تكمن في وجود هذه التشريعات أصلاً فهي قديمة لاتتناسب مع الوقت الحالي ، كما أنها تفتقد للتعريف الصحيح لغش الغذاء فتحدده بأنه إنتقاص لجزء منه ، مشيراً إلي أن الحل في تفعيل دور جهة رقابية واحدة تكون مسئولة عن سلامة الغذاء في كل مراحل إنتاجه وتداوله مع تحديد المفاهيم المختلفة لسلامة وفساد الغذاء بما يتناسب مع الواقع الحالي ومتغيراته ، وتبين من خلال المناقشات أن الغذاء في مصر ليس أمناً بنسبة 100% ، ولعل السبب الرئيسي وراء ذلك يعود لتلوث مياه النيل وحتى يمكننا الحصول على غذاء أمن لابد من التأكد من أن عملية ري الزراعات تتم بمياه نقية ، مشيراً إلي أن نهر النيل يتعرض للتلوث عند صرف مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي غير المعالجة فيه ، وهي تمثل 25% من نسبة المياه المتاحة للري في مصر بمعنى أن المتاح من مياه النيل يوازي 55 مليار متر مكعب مياه نظيفة نحن نخلطها بـ 15 مليار متر مكعب مياه صرف ملوثة وغيرمعالجة ، وبالتالي يمكن القول بأننا حولنا الـ 70 مليار متر مكعب المتاحة للري والشرب في مصر إلى مياه ملوثة ، ومن هنا تبدأ الكارثة فالنهر يتعرض للتلوث من أسوان حتى المصب في البحر المتوسط ، ولذلك يجب تطبيق قوانين البيئة على المصانع التي يجب أن توفق أوضاعها وتقوم بمعالجة مياه الصرف الخاصة بها بدلاً من صرفها في النيل ، بالإضافة إلى أن شبكة المياه في مصر والتي تقوم بنقل مياه الشرب من محطات التحلية إلى المنازل تشكل في حد ذاتها كارثة فهي شبكة قديمة متهالكة وفي حاجة لعملية إحلال وتجديد في فترة زمنية لاتتعدى 3 سنوات على مستوي الجمهورية ، وإلا علينا أن ننتظر الكارثة البيئية التي ليس لها حل وساعتها يشرب المواطن المياه ويتناول طعامه ولكن عليه أولاً أن يتلو الشهادتين .
وانتهي المؤتمر إلى التأكيد على المشكلة الحقيقية في أسباب تلوث الغذاء في مصر هي "السلبية" فنحن نعرض الأحذية للبيع داخل فتارين زجاحية حماية لها من الأتربة ، وفي الوقت ذاته نعرض اللحوم والخبز وجميع أنواع السلع الغذائية للبيع علي طاولات عارية في الشارع للأتربة وعوادم السيارات وجميع مصادر التلوث الغذائي ، لذا لابد من تحسين سلوكيات البشر لتجنب جانب مهم وخطير من جوانب أسباب تلوث الغذاء في مصر .
سيد أبو سيف و أحمد عبدالحميد( القاهرة: ) صوت البلد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق